غالبًا ما تصوّر الثقافة الشعبية الأشخاص الذين يعانون من متلازمة ستوكهولم كأفراد نجوا من اختطاف وأظهروا فيما بعد حبًا أو تعاطفًا مع خاطفيهم.
أصبح هذا المصطلح معروفًا بعد حادثة شهيرة في عام 1974م، حيث اختطفت مجموعة من الإرهابيين المحليين الأمريكيين “باتي هيرست”، التي كانت تبلغ من العمر 19 عامًا. بعد اختطافها، أعلنت هيرست دعمها للمجموعة وشاركت معهم في سرقة بنك.
اكتسبت القضية شهرة كبيرة في الصحف، واعتقد العديد أن هيرست قد خضعت لتنويم عقلي. بينما رأى آخرون أن تصرفاتها كانت نتيجة لمتلازمة ستوكهولم، وهو مصطلح لم يكن شائعًا في ذلك الوقت.
متلازمة ستوكهولم هي ظاهرة معقدة وغالبًا ما يُساء فهمها؛ حيث أنها ليست معترف بها كحالة صحية عقلية في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، ولكن تُعتبر استجابة عقلية وعاطفية وفقًا للجمعية الأمريكية للطب النفسي.
تُعتبر متلازمة ستوكهولم آلية دفاع نفسية أو آلية تكيّف تحدث لبعض الأشخاص عند المرور بصدمة شديدة، مثل الاختطاف والعنف الأسري أو الاتجار بالبشر.
إليكم الحديث التالي مع علماء النفس لفهم المزيد حول متلازمة ستوكهولم، وكيف يمكن أن تظهر في سياقات مختلفة، مثل العلاقات العنيفة والأحداث المريعة في بعض الأعمال.
يتحدث هذا المقال عن متلازمة ستوكهولم، ويفضل بعض أطباء النفس استخدام مصطلح “الربط النفسي بالصدمة” بدلاً من ذلك، حيث قد يكون أكثر ملائمة.
تشير متلازمة ستوكهولم إلى حالة نفسية تنشأ فيها لدى الضحية مشاعر إيجابية تجاه الجاني الذي أساء إليها.
من الناحية النفسية، عندما يتعاطف الشخص مع من يحتجزه أو يسيء معاملته -بأن يفهم دوافعه أو يشعر بنوع من التعاطف تجاهه- يبدو هذا التصرف غير مفهوم.
يقول علماء النفس إن هذه الظاهرة نوع من الدفاع النفسي الذي يساعد بعض الضحايا في تكوين روابط عاطفية مع المعتدين عليهم.
عندما يكون الشخص الذي يعتمد عليه الضحية في الحصول على الطعام والمأوى هو نفسه الذي يعذبها، تصبح الضحية في موقف لا يمكنها فيه مهاجمته بسبب اعتمادها الكلي عليه. في الوقت نفسه، تتعرض للتعذيب والاعتداء المستمر.
لتبرير هذا الاعتداء، قد تفترض الضحية أن الشخص الذي يعولها هو في الواقع شخص جيد، وأن التعذيب الذي تتعرض له هو نتيجة لأخطائها الشخصية.
تتبع الضحية نمط تفكير يتكامل مع المعذب من أجل الحصول على رضاه، وقد تعتقد أنه كلما زادت طاعتها له، زادت فرصها في تجنب العذاب، وهذا غالبًا ما يحدث.
إقرأ أيضًا:
كان ذلك عام 1973، قبل سنة واحدة فقط من حادث اختطاف باتي هيرست، بعد سطو فاشل على بنك في ستوكهولم بالسويد، والذي أدى إلى تكوين روابط بين الرهائن ومختطفيهم.
كان الأمر محيرًا، حيث بدا أن موظفي البنك قد تكونت لديهم روابط مع السارقين أو ربما على الأقل وثقوا بهم بعد قضاء أسبوع تقريبًا معًا.
منذ ذلك الحين، يُستخدم مصطلح متلازمة ستوكهولم لوصف الحالات التي يشعر فيها الضحايا بالعاطفة أو يوجد لديهم قدر من الإعجاب مختطفيهم أو بمعذبيهم.
مفتاح هذه المتلازمة هو شعور الضحية بالعزلة والاتصال العاطفي مع المعذب (عن قصد أو غير قصد)، وفقًا لما يقوله الأطباء النفسيين أن العزلة التي تحدث في هذه الحالة مع عدم توفر الدعم الخارجي يلعبان دورًا هامًا في ظهور متلازمة ستوكهولم.
هناك بعض الدراسات التي قامت بتحليل مقابلات شخصية مع بعض الضحايا والتي تبين من خلالها أن هناك أربعة معايير رئيسية لحدوث متلازمة ستوكهولم:
بعض الأفراد يكونون أكثر عرضة للخطر من الآخرين بسبب عوامل مثل الشخصية ومشاكل الصحة النفسية وتأثير الصدمة النفسية، كما هو الحال مع أي نوع من أنواع الصدمات.
إن المتأثرين بمتلازمة ستوكهولم ليسوا “أضعف” من الذين لا يعانون منها على الرغم مما قد يبدو؛ إنما الأمر يتعلق بتلاقي عدة عوامل جعلتهم أكثر عرضة لهذه المتلازمة.
بعض العناصر التي يمكن أن تسهم في متلازمة ستوكهولم، وفقًا لما عليه أغلب الأطباء النفسيين:
فأسباب متلازمة ستوكهولم تعتمد أساسًا على المعذب والضحية من حيث الشعور بالحصار بواسطة الوضع.
فالجميع لديه أنماط مختلفة، وعوامل متنوعة لإزالة الأعباء النفسية مثل وجود شخصيات سلطة داعمة وتجارب سابقة تسهم في إحساسهم بالقوة والثقة -على الرغم من أن ذلك يمكن أن يتلاشى مع مرور الوقت-.
إقرأ أيضًا: ما هي علامات التوحد المبكرة عند الأطفال؟ 5 أسباب للإصابة
من المهم أن نعرف أنه لن تقوم كل ضحية بتطوير متلازمة ستوكهولم كآلية للتكيف؛ فهناك بعض العوامل التي تعمل على ظهورها في بعض الحالات دون الأخرى، وأهم هذه العوامل:
كما لا تقتصر متلازمة ستوكهولم على “عمليات الاختطاف” فقط، بل يمكن أن تكون أيضًا آلية تكيف أو استجابة عاطفية لمن يتعرضون للإيذاء، سواء كان عنف منزلي أو اعتداءات على الأطفال أو الاتجار بالبشر. ويمكن أيضًا أن يكون مرتبطًا بمواقف العمل المسيئة أو حتى أثناء التدريب الرياضي.
هذا التفكير يمكن أن يحدث في أي موقف؛ ذلك حينما يكون هناك شخص يمتلك السلطة على شخص آخر ويعمل على شعوره بالحصار والتبعية تجاه من يعتدي عليه.
فيما يلي بعض الأمور التي قد تؤدي إلى حدوث متلازمة ستوكهولم.
من الصعب على طفل صغير أن يرى والديه بنظرة سلبية، حتى وإن كان والديه يعاملونه بطريقة سيئة أو يسببون له الأذى.
فهناك دراسة سابقة من عام 2005 تشير إلى أنه على الرغم من أن ضحايا إساءة معاملة الأطفال جنسيًا ليس كلهم سيصبحون ضحايا لمتلازمة ستوكهولم، إلا أن ذلك يحدث في كثير من الأحيان، خاصة إذا تعرضوا لإساءة مستمرة.
تشير الدراسة أيضًا إلى أن الرابط الذي لا يمكن تفسيره بين الضحية والمعذب قد يظل مستمرًا حتى في البلوغ.
هنا قد تتعرض الضحية للاعتداء الجسدي من قبل شخص في حياتها، قد يحدث ذلك مثل أن ينتقد أحدهم الآخر بسبب عادات تناول الطعام، أو حتى يقيد كمية تناول الطعام لديه.
كثيرون يعارضون هذا النوع من السلوك، أو على الأقل يكون لديهم بعض المشاعر السلبية حوله؛ فقد تظهر أعراض متلازمة ستوكهولم كشعور بالامتنان بأن الشخص الذي يَنتقِد هو الذي يهتم كثيرًا بصحتهم.
كثير من الناس تكون هوياتهم وقيمتهم الذاتية مرتبطة بوظائفهم، لذا يمكن أن تحدث هذه الأمور في مكان العمل.
على سبيل المثال، يمكن أن يكون رئيس العمل لا يحترم حدود موظفيه. فقد يرسل صاحب العمل لموظف عنده الكثير من العمل أثناء إجازته المرضية، وهذا الموظف يفهم أو حتى يشعر بالراحة بهذا، معتقدًا أن رئيسه يعتمد على هذا العمل ويقدره بشكل مهم.
فدائمًا يكون العمل الذي يعطي الأولوية للإنتاجية على الرفاهية عرضة بشكل كبير لهذه الأحداث.
إقرأ أيضًا: الاحتراق الوظيفي، الأعراض والعلاج و5 مؤشرات للإصابة به
عندما يكون المدرب الرياضي يمارس الإساءة، فإن اللاعبين الطموحين قد يعيدون صياغة الإساءة العاطفية كـ “تحفيز” أو إيمان بالقدرات الجوهرية للاعبين، بدلاً من رؤيتها كشيء ضار.
وعندما يتم ربط هذا النوع من الإساءة بنتائج ناجحة على سبيل المثال الفوز في مباراة، فإنه يكون أسهل تبريرًا.
تدعم دراسة من عام 2018 هذه النظرية، حيث تشير إلى أنه عندما يبرر الرياضيون الشبان سلوك مدربيهم العدواني، قد تتطور مشاعر أو تفكير الدفاع أو التعاطف معهم، وهي علامات على متلازمة ستوكهولم [2].
في الحالات التي يحتاج فيها الضحايا إلى معذبهم لضمان وسائل البقاء الأساسية (الطعام، الماء، المأوى، إلخ)، مثل الاتجار بالجنس أو البشر، قد تُظهر الضحية المعايير الرئيسية لمتلازمة ستوكهولم.
يُطلق على هذا التطور العاطفي أحيانًا اسم “الربط بالصدمة”.
إقرأ أيضًا:
من المهم التأكيد مرة أخرى على أن متلازمة ستوكهولم ليست اضطرابًا محددًا في دليل الاضطرابات العقلية. لكنها وصفة أكثر مرونة لظاهرة نفسية.
ومع ذلك، هناك بعض العلامات التي يجب أن تُراعى، خاصة في حالات العنف المنزلي، منها ما يلي:
تبين أنه يظهر لدى الأفراد المتأثرين بمتلازمة ستوكهولم اتجاه واضح نحو الدفاع عن مضطهديهم.
على الرغم من طبيعة تجاربهم التي لا يمكن الدفاع عنها، فإنهم يركزون على السمات الإيجابية للمضطهد والموقف الحالي.
فالشخص الطبيعي إذا وقع ضحية فإنه يبدي ميلًا إيجابيًا إذا تم فصله عن من يضطهده، على خلاف متلازمة ستوكهولم الذي يظهر علامات تدل على الخوف والقلق والاكتئاب أو الصدمة الواضحة.
تعرف على:
نظرًا لأن متلازمة ستوكهولم ليست تشخيصًا فعليًا، لا توجد أي تدخلات قائمة على الدليل العلمي الواضح لعلاجها، وفي الوقت نفسه، إذا كانت هناك صدمة نفسية متعلقة بها، فإن علاج هذه الصدمة بواسطة العلاج يكون هامًا.
عادةً ما يتطلب علاج متلازمة ستوكهولم جلسات علاج نفسي لتخطي الصدمة التي أدت إلى تلك المتلازمة، فيتم التمهيد لكي يرى الشخص أن تلك الحادثة كانت أمرًا سيئًا، ثم يتم بناء وتمكين الوعي حول حقيقة أنه لم يعد محاصَرًا.
ومن ثم تفكيك الاندماج بين الضحية ومعذبها ببطء، ويشمل العلاج أيضًا تعلم الطرق التي يمكن بها التعامل مع الشعور بالعار والسلوكيات المتعلقة بالصدمة.
وبشكل أكثر تحديدًا، فإن الأفراد المتأثرين بمتلازمة ستوكهولم عادةً ما يحتاجون إلى علاج يركز على الصدمة من خلال وسائل مثل تقنية معالجة الصدمة النفسية بالحركة الثنائية للعين، وعلاج السلوكيات الحادة التصحيحية، أو ممارسات أخرى تركز على الصدمة.
يجب على الشخص الذي يعاني من متلازمة ستوكهولم العثور على دعم نفسي فورًا. يمكن أن يكون ذلك أمرًا صعبًا؛ حيث إن الأفراد المتأثرين بمتلازمة ستوكهولم غالبًا لا يرون أنهم في حاجة إلى تلقي العلاج بسبب ما حدث لهم من تكيف مع الأحداث.
إذا وجدت أنك تريد الخروج من علاقة عنيفة أو تعاني من صعوبات في التعامل مع رؤساء العمل ينبغي عليك التواصل للحصول على مساعدة من المتخصصين، أو حتى من العائلة أو الأصدقاء.
إذا كنت تمر بأزمة أو تراودك أفكار انتحارية، فاتصل بالخط الساخن الوطني لمنع الانتحار الخاص ببلدك، أو أرسل رسالة إلى خدمة الدردشة المباشرة عبر الإنترنت للحصول على دعم فوري.
المراجع
Does the Stockholm Syndrome affect female sex workers? The case for a “Sonagachi Syndrome”
التعليق