يُعرف الاحتراق الوظيفي بأنه حالة نفسية وجسدية لها تأثيرات سلبية، والتي يعاني منها الفرد نتيجة شعوره بالضغوطات المتراكمة في العمل، ممّا يُؤدّي إلى تحوّل شعوره من الحماس والإنجاز إلى شعورٍ بالفتور وفقدان الدافعية.
إن الشعور بالملل وفقد الاهتمام والشغف أثناء العمل قد يعني أنك تواجه يومًا سيئًا، ولكن لا بأس فهذا الشعور يحدث تقريبًا لمعظم البشر. ولكن هل تسائلت يومًا إذا تحولت تلك الأيام الصعبة إلى أسابيع عديدة ومرهقة!
إذا مررت بهذه التجربة فهذا يعني أنك تعاني من حالة تدعى الاحتراق الوظيفي.
وعلى الرغم من أن هذه الحالة لا تعد مرضًا أو حالة مرضية، فإن الأطباء وأخصائي الصحة النفسية يلاحظون تزايد هذه الظاهرة.
إذا كنت تعاني من مؤشرات الإصابة بالاحتراق الوظيفي أو مررت بتجربة سابقة؛ فأنت لست وحدك. تعرف معنا في هذا المقال على الأعراض، والعلاج والمزيد.
يتم تعريف الاحتراق الوظيفي المرتبط بالعمل على أنه ” حالة يستنفذ فيها المجهود البدني، والعاطفي نتيجة التعرض لضغوطات العمل، المرور بفترات من الإحباط، والضغط الوظيفي لفترات طويلة” حسب تعريف قاموس ويبستر.
تم ظهور هذا المصطلح لأول مرة في سبعينيات القرن الماضي من قبل عالم النفس الأمريكي هربرد فرويدنبرجر في محاولة لتخفيف العبء عن أصحاب المهن المعرضين للضغوطات النفسية مثل الأطباء، والممرضين، ومقدمي الرعاية الصحية.
ومع الضغط المتزايد في كافة المهن الأخرى، وتسارع وتيرة التنمية، والتقدم، فإن هذا المصطلح يشمل حاليًا معظم المهن الأخرى.
يواجه البشر العديد من التحديات، ويقومون بالكثير من العمل، وغالبًا ما يحدث الاحتراق الوظيفي مع الأعباء الوظيفية الثقيلة.
وبجانب أعباء العمل الثقيلة كسبب أساسي في إحداث هذه الحالة، فهناك عوامل كثيرة قد تسبب حالة الاحتراق، منها أن يشعر الشخص بأن العمل الذي يقوم به لا يتماشي مع قيمه، أو أن نتائج عمله لا يتم تقديرها والاعتراف بها من قبل صاحب العمل.
كما يمكن أن ينتج بسبب نوعية الأعمال التي تطلب مجهودًا نفسيًا، أو استفاذًا عاطفيًا بصورة متواصلة.
فالاحتراق الوظيفي ليس بسبب فشل فردي، ولكنه بسبب مشكلات في المنظومة الكلية بين العاملين وأصحاب العمل، أو قد ترجع إلى ظروف مكان العمل.
فكما ذكرنا أن الاحتراق الوظيفي هو استنفاذ الطاقة، وقلة الإنتاجية، والفاعلية في العمل.
أما عن الأعراض الأكثر شيوعًا لهذه الحالة فهي:
لتكتشف إذا ما كنت تعاني من الإنهاك الوظيفي، أجب عن هذه الأسئلة:
1. هل تشك في قيمة عملك؟
2. هل تجد صعوبة في الذهاب إلى العمل أو البدء فيه؟
3. هل تشعر بفقدان الانتماء إلى عملك أو زملائك؟
4. هل أصبحت أقل صبراً في التعامل مع زملائك أو العملاء؟
5. هل تفتقر إلى الطاقة اللازمة لأداء عملك بإتقان؟
6. هل تجد صعوبة في التركيز على عملك؟
7. هل تشعر بقليل من الرضا عن إنجازاتك؟
8. هل تشعر بخيبة أمل تجاه وظيفتك؟
9. هل تشك في مهاراتك وقدراتك؟
10. هل تلجأ إلى الطعام أو العقاقير أو الكحوليات للشعور بالتحسن أو للتغلب على ما تشعر به؟
11. هل تغيرت عادات نومك؟
12. هل تعاني من صداع، اضطرابات في المعدة أو الأمعاء، أو أي شكاوى جسدية أخرى بدون سبب واضح؟
إذا كانت إجابتك على هذه الأسئلة هي “نعم” فربما قد تعاني من الإنهاك الوظيفي، وينصح بالتحدث مع اختصاصي الصحة النفسية.
قد يرى البعض أن الاحتراق الوظيفي والإرهاق البدني هما نفس الشىء. ولكن الإرهاق هو مشكلة بدنية، والتي قد تكون جزءًا من الاحتراق بسبب العمل، أما الاحتراق الوظيفي هو حالة نفسية أكثر من كونها حالة جسدية.
وبالرغم من أن الحالتين قد تتشابهان إلا أن الاحتراق الوظيفي قد يحدث بدون الشعور بالإرهاق، فكما ذكرنا أنه مشكلة نفسية بصورة أساسية.
إقرأ أيضًا: ما هو اضطراب القلق؟ الأسباب والأعراض وطرق العلاج
الاكتئاب هو حالة نفسية مرضية، ويوجد تشابه بين حالات الاكتئاب وحالات الاحتراق بسبب العمل، وتكون الأعراض المشتركة بين الحالتين هي:
وعلى الرغم من التشابه بين الحالتين إلى حد كبير، إلا أنهما حالتين مختلفتين عن بعضهما البعض، ويمكن أن تحدث الحالتان جنبًا إلى جنب. والاحتراق الناتج عن العمل يكون مرتبطًا بالوجود في مكان العمل، ومن الممكن أن يمتد هذا الشعور ويؤثر على باقى الأنشطة اليومية.
وعلى الجانب الآخر فإن الأشخاص المصابين بالاكتئاب لا يعزلون المشاعر السلبية في جانب واحد من حياتهم، وإنما يمتد ليؤثر على باقي مناحي الحياة.
من الممكن أن يؤدي الاحتراق الوظيفي إلى الإصابة بالاكتئاب، كما يمكن أن يحدث العكس؛ فالاكتئاب يمكن أن يؤدي إلى تزايد حالة الاحتراق الناتج عن العمل.
أما الأعراض التي تدل على الإصابة بالاكتئاب تشمل الآتي:
وينصح بالتوجه إلى الطبيب النفسي إذا كانت لديك أو المحيطين بك أي من هذه الأعراض.
إقرأ أيضًا: مضادات الاكتئاب: أنواعها واستخدامتها و9 أعراض جانبية
يُعد الاحتراق الوظيفي ظاهرة شائعة تُصيب العاملين في مختلف المجالات، تاركةً خلفها شعورًا بالإرهاق الجسدي والنفسي وفقدان الدافعية. تتنوع أسباب هذا الإرهاق لتشمل عوامل متعددة، بعضها مرتبط بالبيئة الوظيفية وبعضها الآخر بالفرد نفسه.
من أهم أسباب الاحتراق الوظيفي:
1. عبء العمل المفرط:
ساعات العمل الطويلة وضغط المهام المتراكمة يؤديان إلى شعور الفرد بالإرهاق وعدم القدرة على مواكبة المتطلبات.
2. قلة الدعم من الرؤساء والزملاء:
شعور الفرد بالوحدة وعدم وجود من يساعده أو يشجعه يؤدي إلى تفاقم الشعور بالإرهاق وفقدان الدافعية.
3. غياب التقدير والاعتراف بالإنجازات:
شعور الفرد بأن جهوده غير مقدرة يؤثر سلبًا على معنوياته ويقلل من حماسه للعمل.
4. صعوبة التوفيق بين العمل والحياة الشخصية:
عدم قدرة الفرد على فصل حياته المهنية عن حياته الشخصية يؤدي إلى شعوره بالضغط المستمر وعدم القدرة على الاسترخاء.
5. الشعور بغياب التحكم في العمل:
شعور الفرد بأنه لا يملك السيطرة على عمله أو على ظروفه الوظيفية يؤدي إلى شعوره بالإحباط وفقدان الدافعية.
6. سوء بيئة العمل:
بيئة العمل غير المريحة والتي تفتقر إلى الإضاءة الجيدة والتهوية المناسبة تؤثر سلبًا على صحة الفرد ونفسيته.
7. الشعور بعدم التوافق بين القيم الشخصية وأهداف العمل:
شعور الفرد بأن قيمه الشخصية لا تتوافق مع أهداف العمل يؤدي إلى شعوره بعدم الرضا والاكتئاب.
تُعد معرفة أسباب الاحتراق الوظيفي الخطوة الأولى للوقاية منه وعلاجه.
كما هو معلوم أن بعض المهن يكون أصحابها أكثر عرضة للضغط النفسي عن غيرهم؛ فبعض المهن المساعدة التي يقدم أصحابها الدعم العاطفي والاجتماعي كالأخصائيين المعالجين، والاجتماعيين؛ ففي هذه المهن يقدم أصحابها تعاطفًا مستمرًا.
ولا تقتصر الأسباب على نوعية العمل؛ بل تعمل السمات الشخصية والسلوكيات الناجمة عنها إلى جعل أصحابها أكثر عرضة للإصابة بالإجهاد الوظيفي.
تشمل هذه السمات الشخصية شعور الشخص بالحاجة إلى السيطرة، الكمال، وتحقيق الإنجازات العالية.
يقول الأطباء أن الظروف المحيطة بالعمل قد تساهم في الإصابة بالإنهاك الوظيفي مثل:
إقرأ أيضًا: ما هي الكمالية؟ 7 أعراض لها، تعرف أيضًا على الأسباب والأنواع
بما أن معظم الحالات تكون بسبب التوتر والضغط النفسي؛ فينصح معظم الأطباء بتطبيق تقنيات لتقليل هذا التوتر مثل أخذ فترات للراحة بين العمل، وممارسة الأنشطة التي تحسن اليقظة الذهنية، وقضاء وقت بعيدًا عن ضغوطات العمل في الأماكن الطبيعية.
وينصح الأطباء بممارسة الأشياء التي تعزز الصحة النفسية والجسدية مثل:
ومن الضروري الابتعاد عن بيئة العمل لفترة، خاصة في عصرنا هذا الملىء بوسائل التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصال مثل الهاتف والبريد الإلكتروني، والتي تعمل على صعوبة الابتعاد عن محيط العمل وما يتعلق به.
كما ينصح المتخصصون بإلقاء الضوء، وحل تلك المشكلات من قبل رؤساء العمل، فهي ليست مسئولية الموظفين فحسب، بل هي مسئولية مشتركة. ويتم ذلك من خلال وضع سياسات واستراتيجيات تعزز الجانب النفسي للموظفين.
وبعض أمثلة هذه السياسات المقترحة:
وإذا لم تكن هذه الحلول متوفرة، ومازال الشخص معرضًا لتلك الضغوطات، ولا يستطيع تجنبها فإن الابتعاد عن العمل قد يكون هو البديل.
يمكن تجنب الاحتراق الناتج عن العمل عن طريق بدء ممارسات صحية والمحافظة عليها، مثل ممارسة الهوايات، وتعلم كيفية إدارة التوتر والقلق، وكيفية الابتعاد عن العمل عند العودة للمنزل، كما ينصح بالتحدث مع صاحب العمل عند المرور بهذه التجربة.
وعلى جانب آخر ينصح الخبراء أصحاب العمل بهذه النصائح:
يمكن أيضًا تحقيق تلك المقترحات عن طريق الاجتماعات التي تتم بين أصحاب العمل والموظفين؛ لإظهار التقدير والاهتمام لمجهوداتهم وإنجازاتهم، ولتجنب مشاعر العزلة.
من الممكن أن يكون الاحتراق الوظيفي مرهقًا، ولكن هناك العديد من الطرق التي يمكن من خلالها تجنب الإصابة به.
وعليك دائمًا مراقبة أي مؤشرات للإصابة بحالة الاحتراق الوظيفي لديك أو لأحد زملائك لمعرفة ما إذا كانت بيئة العمل المحيطة بك تعمل على الوصول لتلك الحالة.
التعليق